أعلان الهيدر

الأحد، 19 مارس 2023

الرئيسية الكاتب والاديب د. صلاح البسيوني يكتب المنديل الورقى الأصفر/الاهرام نيوز براين

الكاتب والاديب د. صلاح البسيوني يكتب المنديل الورقى الأصفر/الاهرام نيوز براين

 المـنديل الـورقـى الأصـفر

تأليف د.صلاح البسيونى




إلتقيا دون سابق ميعاد .. فى منطقة الرابية المطلة على ميناء العقبة الأردنى .. حيث يلتقى المسافرون الى الأراضى السعودية بالطريق البرى .. لاحظ  شرودها .. إضطرابها .. نظراتها الحائرة المتفحصة فى الوجوه المحيطة بها .. أجناس مختلفة من سوريين ، لبنانيين ، فلسطينيين ، مصريين .. جميعهم فى إنتظار الباصات التى تحملهم الى المدن السعودية المختلفة بغرض العمل أو الزيارة أو أداء المناسك الدينية .


حضرت سيارات الحقائب .. وقبل أن تلقى حمولتها قفز البعض الى سطحها بحثا عن حقائبة ومساهمة فى تفريغ حمولتها من الحقائب المتنوعة الأحجام والأنواع واللفائف والكراتين المتناثره .. وقفت تحاول التعرف على حقيبتها فى الضوء الخافت الذى يحتوى المكان .. والكل كالأشباح التى تقفز بين الحقائب وأحيانا كثيرة فوقها .. تتحرك فتتعثر أقدامها فى إحدى الحقائب .. تتعلق باليد الممتدة اليها لتمنع سقوطها.


قدمت شكرها .. إبتسم .. سألها عن علامة يميز بها حقيبتها .. أخبرته بالشريط الأصفر المعقود فى مقبضها .. مسح بعيناه المكان بحثا حتى إلتقطت عيناه المدربة موقع الحقيبة فى سهولة ويسر .. ويلتقطها الى حيث جلست على مقعد خشبى فى أطراف المكان .. شكرته للمرة الثانية وقالت أنها فى طريقها الى العمل بمدينة  " جدة " للمرة الأولى .. أخبرها أنه ذاهب الى مدينة الرياض للعمل ولكنها ليست المرة الأولى .


تساءلت عن الخطوات الباقية لها حتى ترحل الى " جده " طمأنها أنه لن يتركها حتى تركب الباص .. شعرت بجسدها يهتز فى رعشة مفاجئة ناتجة عن البرودة الشديدة لإرتفاع المكان .. خلع الجاكت الجلد وألقاه على كتفها وضم أطرافه الى صدرها .. شعرت بالدفء يسرى فى جسدها ليس بسبب الجاكت الجلدى ولكن لهذا الكم الهائل من الحنان الذى إحتواها به منذ أن إلتقيا .


أحس ببوادر الزكام تتحرك داخل أنفه .. إلتقطت يداه منديل ورقى أصفر يطل من حقيبة يدها .. إنتفضت .. نظر إليها فى دهشة .. قالت : لقد إخترت الفراق !! .. فهم مقصدها .. أراد  أن يرد إليها منديلها .. أعادت يده قائلة لقد وقع الإختيار ولا مجال لتغيير القدر .. أكدت له أن أخذ منديل من شخص يعنى الفراق بينهما .. وأضافت أن اللون الأصفر أحب الألوان إليها .. أخبرها أنه سيذكرها كلما وقع نظره على هذا اللون .. أخبرته أن أحب الزهور اليها ذات اللون الأصفر .. أجابها أنه سيشم عبيرها فى كل زهرة صفراء ويرى نور وجهها بين أوراقها .


أراد أن ينفى إستسلامه للقدر .. طلب عنوانها البريدى أو رقم تليفونها المحمول .. أجابته أنها لا تدرى حتى الآن .. أعطاها رقم محموله وعنوانه على ورقة صغيرة كى تتصل به بعد وصولها لكى يطمئن عليها وتعطيه عنوانها وتليفونها .. حضرت الباصات المتجهة الى " جده " .. تحركت من جلستها مسرعة .. ساعدها فى وضع حقيبتها فى الباص .. تأكد من راحتها فى جلستها خلف مقعد السائق .. ربت على كتفها وضغط يدها بين كفيه ثم ترك الباص قبل أن يتحرك مغادرة المكان .. ظل يتابع الباص حتى إختفى ضوء أنواره الخلفية .


عاد الى حيث مقعده الخشبى لتلتقط عيناه أسفله ورقة العنوان والمنديل الورقى الاصفر .

هناك تعليق واحد:

  1. سرد رائع بأسلوب واضح وقوي
    ابدعت

    ردحذف

يتم التشغيل بواسطة Blogger.