زواج تحت تهديد السلاح
تأليف د. صلاح البسيونى
كنت عائدا من إحدى رحلاتي خارج الوطن .. وفى الطائرة أخذت أقطع الوقت بممارسة هوايتي المفضلة لدى .. وأخرجت دفتري وتناولت قلمي وتركت القيادة لفكري ليخط على الورق ومضاته التى تؤرقه بين حين وآخر .
فجأة تنبهت على صوت هامس في حياء يصدر من جانبي يتساءل " كاتب قصصي ؟ " فنظرت إلى مصدر الصوت .. وكانت امرأة تجاوزت العقد الثالث من عمرها .. زرقاء العينين .. نارية الشعر .. خمرية اللون .. يكسو وجهها ابتسامة حزينة .. فأجبتها بابتسامة " لا بل هواية أقطع بها المسافات أو أخرج بها ومضات .." فأجابتني " معذرة .. لقد تابعت عن غير عمد ما خطه قلمك في لحظات .. فوجدتني أعيش سطوره .. وأشعر بنبض كلماته .. وهذا ليس بقلم حديث عهد بالكتابة .. فقلت وقد وجدتني منجذبا إلى حوارها الرقيق حيث سرى عبيرها في أنسجتي " أنا أطلق عنان عقلي من سجن المكان والزمان عبر الكتب ليرى بلاد لم تطأها قدمي ويعيش أزمان لم أراها .. ويحيا قصص الآخرين بين سطور الروايات .. وأسرى عن روحي بالكتابة " .
قالت " لقد لمست في سطور كلماتك أحاسيس مرهفة .. وعين متفحصة .. وريشة فنان ينقل تفاصيل الصورة ودقائقها .. وتحيل التجربة البشرية إلى لوحة إنسانيه .. فهل لك كتابات مطبوعة ؟ " فأجبتها بالنفي .. فتأسفت وتنهدت وقالت " حسنا هل لي أن أقص عليك تجربة إنسانية لعلها حين تخرج من صدري .. تزيح عن كاهلي عبء طالما مكث سنين طوال جاثما على صدري .. حتى ناء بي الحمل أو لعلها ترى النور على يديك فيكون في حديثنا هذا فائدة لكلانا ." فابتسمت في أدب إجابة لطلبها وإيذانا لها بالحديث .
فقالت : كنت فتاة فوق العشرين من عمرها .. وقد أنهيت في عامي هذا دراستي الجامعية .. ولا تفتأ والدتي مع كل صلاة أن يعلو صوتها بالدعاء لي بأن يأتي ابن الحلال ..لعلها في ذلك ترغب أن تراني في بيت الزوجية .. ولعلها أيضا تريدني أن أفسح المجال أمام والدي ليستكمل باقي رسالته مع أشقائي وشقيقاتي .. وكأن باب السماء كان مفتوحاً لها ذات يوم .. لتطرق باب بيتنا المتواضع في إحدى الأحياء الشعبية بتلك المدينة الساحلية المشهورة .. إحدى جاراتنا ومعها ضيفة من دولة عربية شقيقة .
وبلا مقدمات تقدمت السيدة العربية الفاضلة تطلب يدي لأبنها الشاب الذي يدرس علوم الطيران ويعيش في أمريكا وأنها ترى فىّ المواصفات التي يرغبها .. وكأن الأمر قد أشعل نيران الحرب العالمية الثالثة في بيتنا فهناك والدتي التي ترفض بناءً على رفضي .. ووالدي يهلل فرحاً بابنته التي ستنطلق إلى أمريكا .. والعريس شاب ميسور الحال ويعيش في أمريكا .. بل وشاب وسيم كما يظهر في صورته .. وتغلبت إرادة والدي على الجميع .
طار الخبر إلى أمريكا .. فطار العريس إلى القاهرة .. وتم اللقاء والموافقة على كل الالتزامات بلا تردد .. وخلال الثلاثة أيام التي قضاها بالقاهرة كنا قد أقمنا الفرح والمبيت في إحدى الفنادق الكبرى لننطلق في صباح اليوم الرابع إلى أمريكا ؟ .
نظرت الي بعد أن توقفت عن الكلام .. ولاحظت دمعة رقيقة تنحدر من عينيها .. حاولت الكلام ولكنها استوقفتني بنظرة سريعة لتكمل : مهلا إن القصة لم تكتمل بعد .. بل بدأت من هذه اللحظة .. حيث شعرت من الليلة الأولى للزفاف بالرهبة حيث لم يستطع أن يلمسني أو يقترب منى بالفراش .. ومنذ وصولنا إلى أمريكا ودخولنا منزله أعتقد أن الموضوع قد حسم لصالحه .. فقد ابتعدت عن الأهل والوطن .. وأصبح لا ملاذ لي .. وكل يوم يأخذني في جولة داخل المدينة ونتناول طعامنا في أحد المطاعم المتناثرة هنا وهناك .. لنعود في المساء ويحين موعد سداد الفاتورة فأرفض بشدة .. فيحاول بقوة ليزداد رفضي أو دفاعي عن نفسي شراسة بقدر شراسته ويعلو صوتي أو صراخي ليتوقف خشية الجيران وتفشل مساعيه .. وتخور قواه .. ولا يغمض لي جفن إلا من إعياء لأصحو على أي حركة أو لمسة مذعوره .. ومع ذلك لم تتوقف محاولاته بل زاد على ذلك بإعطائي حبوب منومة بموافقتي لكي تسكن حركتي أو مقاومتي حتى يستطيع أن يقتحم حصني وينالنى ؟ فلم تجدي تلك الحبوب شيئا من شدة الخوف .
ليمر على هذا الحال أشهر ثلاث طوال بعدد أيامها ولياليها وساعاتها ودقائقها .. حتى تحول الليل إلى كابوس وحلم مرعب .. وازداد جسدي هزالا ووجهي شحوبا وانطفأت لمعة البريق من عيني التي أحاط بها هالة سوداء .. وأزداد هياجه وعصبيته وعنفه وقسوته .
وذات مساء سمعته يتحدث في التليفون بصوت هستيري مع أهله في بلده ويقول لهم : لازالت ترفضني .. لا لن أطلقها .. لابد أن في الأمر سر وشخص آخر في بلدها .. لن أدعها تعيش لتذهب إليه .. سوف أنالها الليلة أو أقتلها .. وأغلق السماعة في عصبية وحضر إلى غرفة النوم .. وفتح درج الخزانة ليخرج منه مسدس ؟ .. ونظر إلى بعينين يطل منهما الجنون وأنا أنظر إليه بعينين يسكنهما الخوف والرعب وطلب الرحمة .. وأشار الىّ بمسدسه .. فأخذت أصرخ وأجرى في أركان الغرفة التى أغلقها علينا .. وأشار الىّ لكي أصعد السرير .. فصعدت .. وطلب منى أن أخلع ملابسي .. ولم أجد في داخلي قوة للرفض أو حتى التوسل .. فأمرني بالنوم عارية تماما" وهو يوجه مسدسه إلى رأسي بيده اليمنى ويتخلص من ملابسه باليد الأخرى .. ويصعد السرير ولازال مسدسه مصوب إلى رأسي ليفترسني .. وعندما انطلقت صرختي معلنة اقتحامه جسدي أزداد شراهة في افتراسه وسلاحه في يده حتى النهاية .. مشهد لن أنساه .. وسيظل محفوراً في الذاكرة مدى العمر .. ليس لأنها ليلة العمر .. بل لأنها عمري كله .
تنهدت وإلتقطت نفسا عميقا واستكملت قائله : حتى الآن .. وعلى مدى سبعة عشر عاما" .. ولا يزال نواف زوجي يمارس معي حقوقه الزوجية بطريقة الاغتصاب .. بلا مشاعر .. ولا هوادة .. ولا رحمة .. حتى تحولت لحظاتها إلى كابوس مرعب أخرج منه منهارة .. ويذكرني دائما بتلك الليلة السوداء .. فهل رأيت أو سمعت في حياتك عن ليلة مثل تلك ؟ أو زواج مثل هذا ؟ .
وسكن صوتها المتهدج صدرها يأبى أن يخرج .. أو في انتظار إجابتي .. فنظرت إليها لعلى أستطيع أن أواسيها بكلمات لا أملك سواها .. ولم أجد منها سوى شلال من الدموع يسيل على وجهها الملائكي .. لعلها تغسل به أحزانها .. فلم أجد أكثر مواساة لها سوى أن أحقق لها أمنيتها .. فتحولت كلماتي إلى ومضات وأمسكت قلمي وفتحت دفتري وتركت العنان له ليخط حروف مأساتها .. وبدأت اكتب العنوان .... " زواج تحت تهديد السلاح " ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق