أعلان الهيدر

الأحد، 29 يناير 2023

الرئيسية الكاتب والاديب د . صلاح البسيوني يكتب كان ياما كان

الكاتب والاديب د . صلاح البسيوني يكتب كان ياما كان

 كان ياما كان 

تاليف د. صلاح البسيونى 





سكن الباشمهندس محمد إلى سريره وقد أنهكه العمل على شبكات الحاسب حيث يعمل بأحد البنوك منذ الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل وهو على هذا المنوال كل يوم وما هي إلا لحظات وقد راح في ثبات عميق .



وها هو يرى نفسه وهو يتفحص أركان بيت العيله الذي تركت السنين عليه أثاراها من القدم .. فاختفت غية الحمام الضخمة التي توسطت سطحه الكبير وامتلأت بعدد هائل من الحمام الذي أصبح هديله وكأنه معزوفة موسيقية يعزفها أوركسترا لا يتوقف طوال اليوم كما كانت أفواج الحمام تتنقل في حرية على الحوائط الداخلية للبيت وتسكن في أي شباك أو فوق أي صوان وكأنه لم يكتفي بالحوائط الخارجية وأسقف المنزل وحوائطه وشبابيكه من الخارج .



كما كان مصدر كبير لتمويل العزومات التي لا تنتهي لزوار العمدة ووجبة رئيسية لأهل البيت وهدية دائمة يحملها الأحفاد في عودتهم من الزيارة .. كما تهدمت بعض الأجزاء من السور الخارجي للحديقة التي جفت أشجارها واختفت ثمارها ودب الإهمال في أركانها فأنتشر العشب الجاف .. على الرغم من محاولات الصيانة التي تبدو على استحياء دون جدوى .



أنتقل إلى داخل البيت الكبير في مساحته ذو الإثنى عشر غرفة بالنوافذ الكبيرة وزجاجها المعشق بمختلف الألوان الزاهية من الأزرق والأحمر والأخضر والأصفر وكأنها لوحة تجريبية رائعة .. حيث تتوسطهم صالة كبيرة ببابها الرئيسي الذي يستخدمه فقط أهل البيت أو الزوار من العيلة الكبيرة .. وينتشر بها الكثير من الكراسي الخيزران يتوسط كل مجموعة منهم ترابيزة خيزران لزوم المجلس كما كان جده العمدة يطلق عليه.



بالإضافة الى المجالس المنتشرة في البلكونة الخارجي بنفس المساحة .. بسلالمه العريضة التي تؤدي إلى المشاية المغطاة بتكعيبة عنب بطولها حتى بوابة الحديقة التي يعتليها قوس من نبات فضي الأوراق .. حيث يدخل من خلالها جده العمدة بعربة ( الكارته ) التي يستخدمها في تنقلاته خارج القرية ويجرها أثنين من الخيل ويقودها أحمد عيسى الذي يسير بها تحت تكعيبة العنب ليصل بالعمدة حتى سلم البلكونة .



كما كانت تستخدم في استقبالات جده العمدة لزواره من أهل القرية وضباط وجنود مركز الشرطة بدلا من الباب الرئيسي للقيام بمهام العمودية حين لا يكون بدوار العمودية حيث الخفراء وشيخ الخفر وغرفة السلاح ليك ومجلس العمدية .. ولا يأتي معه الى المنزل سوى " عم " أحمد عيسى  كما كانوا ينادونه بناء" على أمر جده العمدة الذي منعهم من مناداته باسمه فقط .. وهو السائق الخصوصي والخفير الخصوصي و السكرتير الخصوصي والخادم الخصوصي للقيام باستقبال وخدمة ضيوفه .



هكذا ارتسمت الصورة في ذهنه وقد دبت الحياة في أركان بيت العيلة وتنامت إلى أذنه أصوات الزوار في حديثهم مع جده العمدة وعبارات الترحيب التي تقطع الحوار ردا على سلامات أحد المارة أو ترحيبا  بقادم جديد ينضم إلى المجلس وأحمد عيسى ينادي على الست الحاجة يطلب المزيد من الصواني المحملة ببراد الشاي الأسود والأكواب الصغيرة والسكرية الممتلئة بقوالب السكر الإضافية.



وعندما يحل الليل تهدأ حركة جدته هانم وباقي نساء البيت من الخادمة إلى والدته وخالاته بعد الانتهاء من تلبية الطلبات التي لا تنتهي من أحمد عيسى مهما صرخوا فيه وطلبات الصغار والقيام بأعمال البيت الكبير من نظافة يومية .. يرى جدته العجوز وقد حملته إلى الفراش لتستوي بجانبه وقد أخذت تداعب بأصابعها رأسه الصغير الذي ضمته إلى صدرها وبدأت تقص عليه حكايتها الليلية حتى يتسلل النوم إلى جفنيه ويأخذه إلى عالم الأحلام  حتى الصباح كما اعتادت كل ليل وكأنها شهرزاد في ليالي ألف ليله .



وها هو في رؤياه وكأنه الحلم يتجسد يسمع همس جدته وهي تقص إحدى قصصها التي لا ينساها أبدا :



كان يا ما كان في سالف العصر و الأون هناك غلام مثلك في العمر وكثرة السؤال عن كل شئ يلمسه أو يسمعه أو حتى يراه في الأحلام .. فأرسله أهله إلى بلاد بعيده ليظل هناك فترة من الزمن للدراسة والتعلم على يد كبار الفقهاء والعلماء .. وفي أول حضور له بإحدى مجالس العلم  نظر إلى معلمه الديني متسائلا: 

من أنت ؟ .. فأجابه المعلم : أنا عبد من عباد الله .. فقال الغلام : هناك أسئلة تحيرني فهل أجد عندك الجواب ؟ .. فأجابه المعلم : سأحاول جهدي بعون من الله .



الغلام : أسئلتي ثلاث ألا وهي :

1) هل الله موجود فعلا" ؟ وإذا كان كذلك كيف لا اراه؟

2) ما هو القضاء والقدر ؟

3) إذا كان الشيطان مخلوقا" من نار فلماذا يلقى فيها بعد ذلك وهي لن تؤثر فيه ؟ .



صمت المعلم طويلا و لا تزال عيناه مصوبتان نحو الصبي .. ثم صفعه المعلم صفعة قوية على وجهه .. فقال الغلام وهو يتألم : لماذا صفعتني ؟ وما الذي جعلك تغضب مني ؟ .



أجابه المعلم : لست غاضبا منك وإنما الصفعة هي الإجابة على أسئلتك الثلاث .. تعجب الغلام قائلا : ولكني لم أفهم شئ .. فبادره المعلم بسؤاله : ماذا تشعر بعد أن صفعتك ؟ .. أجابه الغلام سريعا وهو لا يزال يتحسس وجهه : بالطبع أشعر بالألم .. فتعجب المعلم متسائلا : إذا هل تعتقد أن هذا الألم موجود ؟ .. أجابه الغلام : نعم .. فقال المعلم : أرني شكله هل تستطيع ان تراه؟.. أجابه الغلام : لا أستطيع .. فأبتسم المعلم قائلا" : هذا هو جوابي الأول .. كلنا نشعر بوجود الله ولكن لا نستطيع رؤيته .



أضاف المعلم قائلا : هل حلمت البارحة باني سوف أصفعك ؟ .. فقال الغلام : لا .. فسأله المعلم : هل خطر ببالك أني سأصفعك اليوم ؟ .. أجاب الغلام : لا .. إنفرجت أسارير المعلم وهو يقول : هذا هو القضاء والقدر .. وتلك إجابة سؤالك الثاني .



نظر المعلم كثيرا في وجه الغلام ثم أضاف متسائلا : يدي التي صفعتك بها مما خلقت ؟ .. أجابه الغلام : من طين ! .. استطرد المعلم : وماذا عن وجهك ؟ عادت علامات التعجب على وجه الغلام وهو يجيب : من طين ! .. فقال المعلم : ماذا تشعر بعد أن صفعتك ؟ .. تحسس الغلام وجهه وهو يجيب : أشعر بالألم .. فتهللت أسارير المعلم وهو يستطرد قائلا : تماما فبالرغم من أن الشيطان مخلوق من نار ولكن إن شاء الله ستكون النار مكانا أليما للشيطان .. وتلك اجابة سؤالك الثالث .



وهكذا ياصغيرى هناك الكثير من الاسئلة التى تشغل عقلك الصغير  قد تكون اجابتها في داخلك أو من حولك وانت لا تشعر بها .. فتأمل قدرة الله في خلقك وفي مخلوقاته تجد كل الاجابات  .



ومالت الجدة العجوز برأسها لتنظر في وجه صغيرها وقد راح في سبات النوم واخذته الاحلام الى حيث عالم الاحلام الذى تنقله كل ليلة مع حدوتة قبل النوم .. وذهب معهم الباشمهندس محمد الى عالم ألف ليله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.