أعلان الهيدر

الاثنين، 20 فبراير 2023

الرئيسية الكاتب والاديب د . صلاح البسيوني يكتب البرنس وحذائه الكلارك/الاهرام نيوز براين

الكاتب والاديب د . صلاح البسيوني يكتب البرنس وحذائه الكلارك/الاهرام نيوز براين

 البرنس وحذائه الكلارك

تأليف د. صلاح البسيونى





في أحدى قرى محافظة الشرقية تدعى ( شيط الهوى ) مركز كفر صقر ولد " رشدي " في إحتفال خاص على الرغم من أنه الرابع في ترتيبه بين أخوته الأولاد والسابع في الترتيب الإجمالى بحساب ثلاثة من البنات .. هذه الإحتفالية ليس لها من سبب سوى شئ ما أبهج القلوب وأثلج الصدور وهو قدومه بعد ولادة الإناث المتكررة لتجعل له نكهة خاصة .. ولهفة خاصة .. وفرحة خاصة .. وزاد على ذلك الشعور بالإهتمام الخاص الذي يلقاه من والده الحاج ووالدته الحاجة .. ( كما كان يحب أن يناديهما ) .. هذا الإهتمام الذي ترسخ في داخله منذ الصغر .


تنقل رشدي بين أرجائها .. وتربى بين حقولها .. وامتلأ صدره بنسيم زرعها .. ورحيق زهورها .. ليشب عوده .ز ويعلو طوله .. وترتفع هامته أعتزازا بنفسه .. حتى أطلق عليه رفاقه في القرية لقب البرنس .. الذي إستاء منه في البداية .. وكلما ناداه أحدهم به شعر بالحرج .. ولكنه في نهاية الأمر .. سكن وأستسلم للأمر وأصبح يجاريهم .. ويجيب النداء .. ويشارك الحوار مع من يناديه به .. وهكذا أنتقل اللقب من رفاق القرية إلى زملاء الدراسة .. وظل يلاحقه كلما تنتقل من مرحلة إلى أخرى مع إنتقال أحد الرفاق معه في سنوات الدراسة .

والبرنس خلال سنوات عمره منذ صباه وهو يهتم بهندامه وحذائه .. وهذا هو السر في ذلك اللقب وإن كان يشير دائما إلى أن الفضل في هذا الإهتمام هو للتربية التي أحاطه بها ( الحاج والحاجه ) الذي جعله منظما في هندامه ودراسته وإسلوب حياته .. ولا ينسى كيف كان يعاقب إن أهمل في أيا" من تلك النواحي .. ويذكر كيف كان عقابه شديدا عندما فقد حذائه الكاوتش ذات يوم وهو يمارس لعبة كرة القدم مع زملاؤه بالمدرسة واضعا حذاءه بالجوار .. ليختفي أثناء المبارة ويعود إلى بيته حافي القدمين ليتلقى عقوبة لم ينساها حتى الأن .. علقة ساخنة على القدمين الحافيتين .


ومنذ هذا اليوم أصبح البرنس يضع حذائه في حراسة أحد الزملاء حين يلعب خوفا من الإختفاء وأخيرا" حين يدخل المسجد يحمله أسفل إبطه إلى أن يستقر بداخله ليضعه أمامه ويصلي .. وكانت مشكلته الكبرى في الشتاء حين يتحول الحذاء الكاوتش إلى حذاء بلاستيك برقبة طويلة حتى يستطيع السير به في الأوحال التي تملأ حواري القرية فكيف يستطيع أن يحمله أسفل إبطه أو يضعه أمامه حين 

يصلي وهو بهذا الحجم وأحيانا" كثيرة مملوء بالاوحال ؟ وهو في داخله لا زال يخشى عليه من الضياع .. فيصطف في الصفوف الخلفية من المصلين ليضعه في مجال نظره دون أن يعاتبه أحد .


وتنتقل به الذاكرة حين أصبح في المرحلة الثانوية وقد أرتدى أول حذاء من الجلد الصناعي وهو يشعر بالفرحة لهذا التطور في هندامه فأناقة المرء تبدأ من الحذاء !! ولا يزال لقب البرنس يلاحقه في مراحله الدراسية مع زيادة إهتمامه بمظهره ومعه إهتمامه بالمحافظة على إستحقاقه لهذا اللقب  .. وعندما أصبح في كلية الطب كان إهتمامه بالحذاء المصنوع من الجلد الطبيعي من أكثر الأشياء التي تؤرقه حين يشرع فى شراء حذاء جديد ليتمهل ويدقق ويتفحص ويقارن قبل الشراء.


وتمر الأيام وخلفها السنين وتنتهي سنوات الدراسة لتبدأ مرحلة جديدة من حياته يمارس فيها مهنته في مجال الطب وقد إنتقل الى العاصمة الفاطمية وإستقر فيها وقد ذاع صيته بأفعاله من كشف مجاني على البعض أو شراء الدواء لمن يلحظ عليهم الحاجة وصولا الى إجراء بعض العمليات الجراحية مجانا" .. وأصبح إسمه على أفواههم ملحقا بالدعاء .


وفي هذا الإنتشار لم ينسى البرنس رشدي أهل قريته فكان دائم السفر إليها وتوزيع الإعانات على المحتاجين بالإضافة إلى الكشف الدوري والعلاج المجاني .. ليلاحقه الدعاء من القرية إلى المدينة .. ومن المدينة إلى القرية .. وفي كل خطوة يخطوها .. ليغدق عليه الله من فيض كرمه وترتقي به الحياة من حال إلى حال .. وفي كل الأحوال لم ينسى البرنس رشدي أن يرتقي بمستوى حذائه مثلما كان الحال مع باقي هندامه .. فتتنقل به الحال بين حذاء من فئة العشرين جنيها لترتفع إلى الخمسين وتصل إلى المائة والمائتين .. ليبحث في الأسواق عن كل ماهو من إنتاج أكبر وأشهر الشركات العالمية في مجال الأحذية ويرتفع السعر من المائتين إلى الخمسمائة ثم إلى الألف وأخيرا" الحذاء الكلارك فئة الألف وخمسمائة جنيه .. والذي أصبح لديه ألوانه وأشكاله .. فهو حذاء من نوع خاص وبالتالي لفئة خاصة من البشر .. فلما لا يشتريه البرنس ويرتديه .. وأصبح هذا الحذاء من الأشياء الكثيرة التي يحرص البرنس على إقتناءها ويتميز بها.


وهذا المساء كان البرنس مدعو إلى إفطار رمضاني عائلي في إحدى ضواحي العاصمة المزدحمة كعادتها .. والمشبعة بالحركة والضجيج والزحام فى نهار أيامها الرمضانية كعادتها .. والساهره حتى الصباح فى لياليها الرمضانية .. وبعد إنطلاق مدفع الإفطار .. وارتفاع صوت آذان المغرب على مآذن المساجد المجاورة .. إرتشف قليلا من العصير الطازج وادى صلاة المغرب ثم تناول طعام الإفطار وما يلحق به من حلوى رمضانية ومشروبات ساخنة وباردة .. حتى حان موعد آذان العشاء لينتقل إلى المسجد الكبير المتواجد في إحدى الشوارع الجانبية لأداء صلاة العشاء ومن بعدها صلاة التراويح .. وعند وصوله خلع حذائه الكلارك ووضعه وسط الكم الهائل من أحذية المصلين المتناثرة أمام باب المسجد ودخل المسجد ليصلي .. وصوت الشيخ يعلن قيام الصلاة فينتظم في صفوف المصلين يؤدي صلاة العشاء يليها صلاة التراويح بركعاتها العشرين ثم صلاة الشفع ومن بعدها الوتر .. مستغرقا" في الصلاة والدعاء لمدة ساعتين من الروحانية والخشوع .


ينهض ويتحرك خلف جموع المصلين في إتجاه الباب الخارجي لمغادرة المسجد .. وعينيه تتفحص الأرض بحثا" عن حذاءه بين الكم الهائل من الأحذية التي بعثرتها الأقدام .. لتتحول بعد دقائق من نظرة بحث إلى نظرة تفحص وتدقيق وتنتهي إلى نظرة قلق .. ويتنقل بوجهه من منطقة إلى أخري والحيرة تملأ وجهه فاحصا" المكان بحاثا" عن حذائه الكلارك دون جدوى .. وقد تطوع البعض للبحث معه بعد معرفتهم بالحدث.. يمضى الوقت ثقيلا فى البحث ليتأكد في النهايه أنه قد فقده وأن أحدهم قد أخذه وأختفى .


 أخذ يقلب كفا على كف وقد علت الإبتسامة وجهه قائلا لمن حوله : ربنا يبارك لمن أخذه إن كان في حاجة اليه .. ويغفر له لأنني مسامحه .. وإستطرد بعد برهة قائلا : وربنا يسامحني أنا كمان ..  فتعجب أحدهم من الجملة الأخيرة وسأله : يسامحك على أيه ؟ فقال : أصل الحذاء ده من نوع الكلارك الشهير وثمنه ألف وخمسمائة جنيه وأكيد ربنا بيعاقبني على شراؤه بهذا الثمن!! .


وأنصرف وهو يضحك ويسمع من خلفه ضحكات الآخرين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.