على صوتك بالغنا
تأليف د. صلاح البسيوني
امرأة تتجول بين بقايا أطلال تجمع بقايا طلقات فارغة .. تدندن ( على صوتك بالغنا .. لسه الأغاني ممكنه .. ممكنه ) .
• شاب يشير إلي من حوله من خلف بقايا جدار يدندن ( بينا يله بينا .. نحرر أراضينا .. وعظم أخوتنا نلمه .. نلمه .. ونسنه .. نسنه .. ونعمل منه مدافع .. وندافع ) .
• شيخ قادم من آخر بقايا زقاق .. يصلب عوده على بقايا قطعة خشبية .. يدندن (مدد مدد .. مدد مدد ..ما تشدي حيلك يا بلد) .
• يجيبه صوت من خلف بقايا كشك خشبي يدندن ( إن راح منا واحد شهيد .. فيه ألف غيره هيتولد .. مدد مدد مدد مدااااااد ) .
• شاب يحمل سلاحه ويضع على بقايا ملابسه حزام الموت وينطلق بين رفاقه في بقايا الأزقة وهو يدندن ( أنا قد حطمت القيد .. قيد مذلتي .. وسحقت جلادي وصانع نكبتي .. ونسفت سجنى وانطلقت عواصفاً .. لهبا يدمدم تحت راية ثورتي ) .
• شابة أزدان خصرها بلفافات متفجرة وبعنقها حزام سلاحها تقبله وهى تدندن ( والله زمان يا سلاحى .. اشتقت لك في كفاحي .. أنهض وقول أنا صاحى ) .
• تجيبها أخرى تهرول خلفها ( الله أكبر فوق كيد المعتدى .. بالحق سوف أرده وبمدفعي ).
• أطفال تنطلق بين بقايا المخيم تحمل في ملابسها لفافات متفجرة .. لتنثرها بعناية في مداخل الازقة وتمد أسلاكها إلي حيث تناثرت أجسادهم تلهو في انتظار لحظة الانتصار .. وألسنتهم تدندن ( إن مت يا أمي ما تبكيش .. راح أموت علشان بلدي تعيش ) .
• عجوز تطل من خلف بقايا باب لبقايا حائط من بقايا منزل في أخر بقايا أزقة ما يسمى ( مخيم جنين ) أو كما يسميه بقايا ساكنيه ( جنين القسام ) .. تودع زوجها وهى تدندن ( أبنك يقولك يا بطل هات لي النهار .. أبنك يقولك يا بطل هات الانتصار ) .
• يخرج شاب مهرولا بسلاحه و صوت من خلفه يدندن ( أبنك يقولك ثورتك عارفة الطريق .. وعارفة مين يابا العدو ومين الصديق ) .
• شيخ يضع حزام ناسف على خصر أبنه ويقبل جبينه .. ويرسله في أول الطابور من الاستشهاديين .. قبل أن يقلد صـدور الآخرين أوسمة أخرى للشهادة .. وهم يدندنوا خلفه ( يا بيوت جنين .. يا بيوت مدينتي .. أستشهد تحتك وتعيشي أنتي ) .
• صغار تقفز بين بقايا الأطلال .. لا تهاب الموت المترصد بها فى كل مكان .. تحفر بين الأحجار .. تجر أكياس من الرصاص أو المتفجرات أو قطع سلاح .. حيث المكان قريب من مواقع الجنود التي تحاصر المخيم .. وبعضهم يرصد سيارات ( المستعربين ) الذين يتسللوا تحت الحصار للقتل والاغتيال وإشاعة الفوضى والرعب .
• الصمت الهادر .. السكون الصارخ .. يملأ بقايا المخيم .. ومن بعيد تهدر أصوات الدبابات والمدرعات والعربات العسكرية .. وتحلق فوقهم الطائرات الحربية .
• مكبرات الصوت على العربات العسكرية تعلوا فوق هدير جنازير الدبابات .. ( جيش الدفاع يحيط بكم من كل جانب .. طائراتنا تحلق فوق رؤوسكم .. نيران مدافعنا تطول كل شبر في مخيمكم .. أمامكم عشر دقائق لتخرج النساء والأطفال والشيوخ أولا ثم الرجال والشباب ..رافعي الأيدي عالية .. في صف واحد في كل اتجاه .. ستستقبلكم جنودنا .. ألقوا السلاح ولا داع للمقاومة .. من يبقى بعد ذلك سيلقى الموت لا محالة ) .
• أصوات تعلو داخل ( جنين القسام ) الله أكبر .. الله أكبر .. حي على الجهاد .. حي على الجهاد .. تتردد في الأرجاء .
• تنشق الأرض عن الأشباح .. تتنقل بين الأطلال .. تمتد الأيدي بالسلاح .. تقفز من شباك إلى شباك لتختصر المشوار .. تمتد إليها الأيدي بأكياس رصاصات أو لفافات متفجرة.. فهود تقفز من خلف جدار .. أسود تقفز من فوق جدار .. أشبال تتسلق الأحجار .. نساء تهرول بالسلاح تتخذ ساتر بالانتظار .. عجائز تركن أجسادهن إلى الأطلال توجه فوهة سلاحها تنتظر الأقدار .
• الكل يرفض الإنذار .. كل شاب وفتاة ، شيخ وعجوز، الأطفال .. ترفض الإنذار .
• بقايا أجساد المصابين ترفض الإنذار .. أرواح الشهداء ترفض الإنذار .
• الكل يرفض الإنذار .. سنبقى مع الأبطال .. سندافع عن الأطلال .. لن يجد جنود الغدر نزهة في الديار .. لن يسمع ردا سوى طلقات رصاص أو دوى انفجار .
• أبدا لن تسقط ( جنين الثوره ) سندافع عنها حتى النصر أو الموت على الأبواب .
• أحفادها يحملون اللواء وأشبال فلسطين خلف كل جدار .. سيرى العدو ما يراه في كل حملة من موتاه والاندحار .. والنصر دائما لشهدائنا الأبرار .
• علت الأصوات في الازقة ( الله اكبر .. الله اكبر ) تتردد في أرجاء جنين إشارة الى بدء الاقتحام .
• انطلقت الرصاصات من كل مكان .. تفجرت العبوات تحت الأقدام .. الألغام تدمر الدبابات .. قصف محموم بالطائرات .. المدافع ترسل سيلا من الدانات .. القذائف تنهال من الدبابات .
• عجوزا سقطت تحت الدبابة فتفجرها .. طفل يتعثر في الجري فيسقط أسفل مجنزرة فينسفها .. شابة تلقى بجسدها من فوق جدار على دبابة لتتحول إلى كتلة من اللهب .
• كمائن تنتظر المتسللين وتحصدهم طلقاتها .. وأخرى تتقدم نحو مهاجمين فتوقف زحفهم .
• أشبال تجرى بين الدبابات تترك خلفها ألغام .. وتفجر عبوات .. طفل يتمهل في سيره تدهسه دبابة في سرعتها تنتفض دروعها رعبا حين تلامس جسده تتفجر الدماء من أشلاءه وتتناثر أشلاء حطامها .
• جريح يزحف يطلق نيران سلاحه لينال منهم ثم ينال الشهادة .
• سيارات الغدر تعود للخلف متخبطة .. دبابات تبحث لها عن مخرج وسط الركام .. جنوده تهرول تحتمي بها .. تجر معها جرحاها .
• يخرج النهار من خلف سحابات دخان .. يطل من خلف الأطلال .. ليرى في كل زقاق بقايا دبابة محترقة .. أو بقايا مجنزرة متناثرة .. أو بقايا أجساد متفحمة .
• وبقايا المخيم كما هي .. صامدة بقاياها .. بقايا أزقة .. وبقايا حوائط .. وبقايا أبواب .. وبقايا أجساد الجرحى .. وأرواح الشهداء .
• وجريح رأسه مدلاة على صدره يدندن ( إن مت يا أمي ما تبكيش .. راح أموت علشان بلدي تعيش ) .
• وأمه تضمه إلى صدرها .. ودماؤه تروى ثوبها .. وتدندن .. (علي صوتك بالغنا..لسه الأغاني ممكنه..ممكنه..ممكنه) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق