أرتيميو والكلب
تأليف د. صلاح البسيوني
أرتيميو يا عزيزى .. شاب فلبينى .. يعمل فى إحدى المؤسسات السعودية .. عامل كهرباء .. ولكنه فى الحقيقة يعمل كل شىء يساعد الفنيين والعمال والسعاة .. خفيف الظل .. باسم الوجه .. يلتقط الكلمات العربية فى سرعة .. ليعيدها على الجميع أثناء تنقله بطريقه مضحكة فيما بعد .
كان أرتيميو يقتنى كلب صغير فى سكنه مع مجموعة العمال الفلبينية .. يخصه بالرعاية والعناية .. يداعبه ويدربه على تنفيذ بعض الآوامر أو أداء بعض الحركات .. بإختصار كان صديقه الذى يلجأ اليه كل مساء بعد عناء العمل ويأنس لوجوده .
وكنا دائما نداعب أرتيميو حين نسأله عن صحة الكلب .. ومتى يحين موعد ذبحه ؟ فكان يجيب أرتيميو لا يأكل صديقه .. نعم لا تتعجب .. فمن الأطعمة الفلبينية الشهيره لحم الكلاب .. وهناك محلات منتشرة فى شوارع الفلبين لهذه الوجبة الغذائية الشهية !! .
ومن النوادر أنه يوما أصيب أرتيميو بشظية فى عينة اليسرى أثناء العمل فألتهبت وطلب الذهاب الى المستشفى .. فطلبت منه فى جدية أن يحضر الكلب معه .. فسألنى فى أهتمام عن السبب .. فأجبته لكى نقطع رأس الكلب ونستبدلها برأسه المصاب .. صمت برهة وعلامة التعجب ترتسم على وجهه .. قال فى حيرة .. كيف ذلك .. أرتيميو يتكلم والكلب لا يتكلم ! وكأن مايشغله كيف سيتكلم ! .
فى أحدى الآمسيات سمع أحد الجيران السعوديين نباح الكلب فى منزل العمال .. ولعلمه بأن من بعض العادات الفلبينية أكل الكلاب .. فقد أنتقل اليهم يهددهم بأستدعاء الشرطة إن لم يتم التخلص من الكلب قبل الصباح .. فأصيب الكل بالذعر .. فكروا فى تهريب الكلب لمكان آخر .. أصابهم الخوف أن يراهم أحد أو يكون هناك شرطى فى الخارج يراقب المنزل .. قرروا فى لحظة وأجمعوا على التخلص منه بالقتل .. وأعلنوا أرتيميو بالقرار .. أصابته حالة من الذهول والرفض .. ثم أقتنع أن لا مفر من ذلك .. ولكن كيف يقتل صديقه ؟ .
جلس أمام الكلب ودموعه تنهمر يعتذر .. صديقى أنت تعرف كم أحبك .. كم قالوا كثيرا أرتيميو سوف يأكل لحمك .. وأنا رفضت .. كيف أكل صديقى ؟ وأنحبست أنفاسه وهو يواصل قائلا .. وتعلم أيضا ما يجب عمله الان .. والكلب يستمع اليه وكأنه يعلم ما يقال أو يشعر به .. فقد أرتمى فى أحضان أرتيميو وهو يئن فى نباح مكتوم .. أشاح ارتيميو بوجهه بعيد وقال : أنت لازم تموت أو أرتيميو كلابوش فى السجن .. وأنهارت مقاومته وأصابته رجفة .. فأنقض زميله "فيرجيليو" ليمسك بالكلب .. ويناوله إلى "أوسكار" ذو العضلات البارزة .. فيقبض على رقبة الكلب ولايتركه ألا وهو جثة .. يحمله فى كيس أسود ويضعه فى صندوق القمامة الكبير خارج المنزل وأرتيميو يصرخ ثم يسقط أرضا مغشيا عليه .
فى الصباح .. لم يحضر أرتيميو للعمل .. أصابنى القلق فهو لم يتغيب يوما .. أخبرنى زملائه أنه مريض فتوجهت الى سكن العمال للإطمئنان عليه أو نقله إلى المستشفى أذا لزم الآمر .. وجدته فى حالة من الإعياء والحزن واليأس وعيناه مصبوغتان باللون الاحمر ووجهه حفرت فيه الدموع مسارات متعددة .. أرتمى على صدرى وأخذ يقص على قصة صديقه الكلب .. وما أن أنتهى حتى تنهد وكأنه أزاح عن صدر حمل ثقيل .. وقال فى أسى .. خلاص صديقى مات .. وأنهمرت دموعه فى بكاء صامت .. وضعت رأسه على الوسادة ..
وأنسحبت فى هدوء من المكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق