حاتم السعداوي يكتب مقال بعنوان
سرقة الميراث: جريمة عائلية في مواجهة سلطة القانون
تُعدّ قضايا الميراث من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في النسيج الاجتماعي، فهي تمسّ الحقوق المالية والأواصر العائلية على حدٍ سواء. وعلى الرغم من النصوص الشرعية والقانونية الواضحة التي تنظم توزيع التركات، تبرز في كثير من المجتمعات ظاهرة الاعتداء على الميراث وسرقته، والتي غالباً ما يكون المتورط فيها هم أقرباء المورّث، وتحديداً "أولاد العم" في سياقات معينة، مستغلين غياب الورثة المباشرين أو ضعفهم أو قلة خبرتهم.
جريمة سرقة الميراث من قبل الأقارب
في العديد من الحالات، يتولى أحد الأقارب، كأولاد العم، مسؤولية إدارة ممتلكات المتوفى (التركة) مؤقتاً بحكم القرب أو العُرف، خاصةً إذا كان الورثة الشرعيون قصّرًا أو نساءً أو مقيمين في مكان بعيد. هذا الوضع يفتح الباب أمام سلوكيات غير قانونية تشمل:
حيازة العقارات: الاستيلاء على الأراضي أو المنازل أو المتاجر المملوكة للتركة والانتفاع بها كأنها ملك خاص.
التزوير والتلاعب: تغيير مستندات الملكية، أو تقديم شهادات زور لإثبات ملكيتهم لبعض الأصول.
إخفاء الإيرادات (الريع): عدم الإفصاح عن الإيرادات الناتجة عن استغلال الميراث (كإيجارات العقارات، أو أرباح الشركات) واقتناصها لأنفسهم دون وجه حق، وهو ما يُعرف بـ الريع المسروق أو الريع السابق.
الاستغلال والضغط: ممارسة ضغوط نفسية أو قانونية على الورثة الشرعيين للتنازل عن حقوقهم بأسعار زهيدة أو بالقوة.
إن هذا الفعل لا يمثل خرقاً للقانون فحسب، بل هو تفكيك للروابط العائلية وخيانة للأمانة التي يفترض أن تجمع الأقارب.
دور الدولة وسبل المواجهة القانونية
تتحمل الدولة، ممثلة في سلطتها القضائية وجهاتها التنفيذية، مسؤولية حاسمة في مواجهة هذه الجرائم وضمان وصول الحقوق لأصحابها. تتجلى سبل المواجهة في عدة محاور أساسية:
1. الإجراءات القانونية والمحاسبة الجنائية:
يجب على الدولة تفعيل القوانين التي تجرّم الاستيلاء على أموال الغير وخيانة الأمانة والتزوير والاحتيال. يمكن للورثة الشرعيين رفع دعاوى قضائية مدنية وجنائية ضد المعتدين. ومن أهم هذه الدعاوى:
دعاوى المطالبة بالحقوق الإرثية وتحديد الأنصبة.
دعاوى خيانة الأمانة أو النصب والاحتيال (حسب طبيعة الجريمة).
دعاوى الطرد والاسترداد (لاستعادة حيازة العقارات).
2. المحاسبة على الريع السابق (إيراد الميراث):
وهي النقطة الأهم، حيث لا يكفي القانون باستعادة أصل الميراث فقط، بل يجب محاسبة المعتدين على كل ما جنوه من أرباح وإيرادات خلال فترة استيلائهم غير المشروع. ويُطلق على هذه الأرباح اسم "الريع". يجب على القضاء إلزام أولاد العم المستولين بدفع:
قيمة الإيجارات التي قبضها خلال فترة الاستيلاء.
الأرباح الناتجة عن استغلال الأصول (كالأراضي الزراعية أو المصانع).
فوائد التأخير: بعض القوانين تُجبر المعتدي على دفع تعويض أو فائدة على المبالغ المستولى عليها كنوع من العقاب الرادع.
هذه الخطوة تضمن عدم خروج المعتدي فائزاً من الجريمة، حتى لو استعاد الورثة أصل التركة، فالعقاب المالي يمثل رادعاً قوياً.
3. التدابير الوقائية والتنفيذية للدولة:
لتعزيز سبل المواجهة، يجب على الدولة القيام بما يلي:
تسهيل إجراءات الحصر والتوزيع: تبسيط الإجراءات القانونية لـ حصر التركة و توزيعها فور وفاة المورّث لتقليل الفترة التي قد يستغلها المعتدون.
دور النيابة العامة أو الجهات الحكومية: في حال وجود قُصّر أو غائبين، يجب على الجهات الوصائية (مثل النيابة العامة أو مجلس الوصاية) التدخل الفوري لـ تعيين حارس قضائي مستقل على التركة لضمان إدارتها السليمة وحفظ إيراداتها حتى يتم توزيعها.
التوعية القانونية: نشر الوعي بحقوق الورثة وإجراءات رفع الدعاوى والمدد القانونية لضمان عدم سقوط الحقوق بالتقادم.
خاتمة
إن سرقة الميراث من قبل الأقارب هي وجه من أوجه الفساد الاجتماعي الذي يتطلب رداً حازماً. لا يمكن للقانون أن يكون كاملاً إلا إذا ضمن استعادة الأصل و محاسبة المعتدي على الريع الذي حصل عليه، وإلا فإنه يترك ثغرة تشجع على الجريمة. يجب على الدولة أن تشدد قبضتها على المتلاعبين بالتركات لتعيد للعدالة معناها الحقيقي، وتحمي الأسرة، وتؤكد على أن المبدأ الأهم في الميراث هو أن: "الحق يورث ولا يغتصب
بقلم الكاتب الصحفي حاتم السعداوي

احسن صحفي في الوطن العربي
ردحذفبالتوفيق يبو احمد بازن الله
ردحذفرقم واحد
ردحذفأحسنت وقلما نجد عائلة لم يكن بها مشاكل على الميراث
ردحذف