الإنسان بين السمو والتدني: تحكم الحواس والوصول إلى القمة
لطالما كان الصراع بين العقل والغريزة محور وجود الإنسان وتطوره. هذا الصراع يحدد مسار كل فرد، إما أن يرتقي به إلى قمة النجاح والتحكم الملكي، أو ينحدر به إلى درك العبودية البهيمية تحت سطوة غرائزه. إن التمييز بين هذين النمطين من الوجود ليس مجرد تصنيف فلسفي، بل هو مفتاح فهم قدرة الإنسان على تحقيق إمكاناته الكامنة.
الإنسان "الملكي": سيادة العقل على الحواس
الإنسان الذي يمكن وصفه بـ**"الملكي"** هو ذلك الذي يتوج عقله سيداً على مملكته الداخلية. إنه يدرك أن حواسه وغرائزه ليست إلا أدوات، وليست قادة. هذا الإنسان يمارس التحكم الواعي والكامل على ردود أفعاله ورغباته.
التحكم بالحواس: لا ينكر الإنسان الملكي وجود الرغبات، ولكنه يضعها في سياقها الصحيح. فهو لا يأكل لمجرد الشعور بالجوع بشكل متهور، بل يختار ما يفيده. لا يتحدث لمجرد إطلاق الكلام، بل يختار الكلمات التي تبني ولا تهدم. حواسه تعمل كـجواسيس أمناء تجلب له المعلومات عن العالم، ولكنه هو من يتخذ القرار بناءً على رؤية ومنطق، وليس مجرد استجابة فورية.
الإرادة القوية والانضباط: قوة هذا الإنسان مستمدة من إرادته المنضبطة. إنه يحدد أهدافه بوضوح ويعمل بجد للوصول إليها، متخطياً الإغراءات والمشتتات التي تصرف الأنظار عن القمة. هذا الانضباط الذاتي هو الذي يسمح له بتأجيل اللذة الآنية مقابل مكاسب مستقبلية أعظم.
الوصول إلى قمة النجاح: بالنسبة للإنسان الملكي، فإن قمة النجاح ليست مجرد ثروة أو شهرة، بل هي تحقيق الذات في أسمى صورها. هو النجاح الذي يشمل السلام الداخلي، التأثير الإيجابي، واستغلال كامل للطاقات. هذا النجاح هو نتيجة طبيعية لسيطرة العقل على النفس وتوجيه كل الموارد الداخلية والخارجية نحو هدف سامٍ.
الإنسان "البهيمي": فريسة الغريزة وعبودية اللحظة
على النقيض تماماً، نجد الإنسان الذي يعيش في حالة "بهيمية"، حيث تقود غرائزه زمام حياته، ويصبح عبداً لكل دافع ورغبة عابرة. هذا الإنسان لا يعيش لـيهدف، بل لـيستجيب.
قيادة الغرائز: يعيش هذا الإنسان تحت مبدأ اللذة والألم الفوري. يدع الغضب يسيطر عليه فينفعل دون تفكير، يأكل بشراهة حتى التخمة، يبحث عن أسهل وأسرع الطرق لإشباع أي دافع داخلي. قراراته تكون دائماً مدفوعة بـالاندفاع، لا بـالتبصر.
ضعف الإرادة والوقوع في الفخ: يجد الإنسان البهيمي نفسه فريسة سهلة لكل ما يغري. لا يستطيع مقاومة التسويف، أو الإفراط في الملذات، أو الانجرار وراء الآراء السائدة دون نقد. هو كالسفينة التي لا تعرف وجهتها فتدفعها كل رياح عابرة.
الخسارة والتشتت: حياة الإنسان البهيمي غالباً ما تتسم بـالتشتت والفشل المتكرر، لأنه لا يستطيع الحفاظ على مسار واحد طويل الأمد. النجاحات التي يحققها تكون قصيرة الأجل أو سطحية، وتنتهي غالباً بـالندم والشعور بـالضياع، لأنه لم يستغل طاقاته في مسار نبيل ومستدام. يبقى هذا الإنسان يدور في حلقة مفرغة من الإشباع المؤقت يليه الفراغ الكبير.
الخاتمة: الاختيار الذي يحدد المصير
إن الفرق الجوهري بين الإنسان الملكي والبهيمي ليس في نوع الحواس أو الغرائز، فكلاهما يمتلكان نفس التركيبة البيولوجية، بل في منهجية التعامل معها.
الإنسان الملكي يختار الوعي والإرادة ليكون أداة للسمو، بينما الإنسان البهيمي يسمح لـالعفوية والاستجابة أن تكون قيده. في نهاية المطاف، كل إنسان يحمل في داخله كلا الاحتمالين، والاختيار اليومي هو ما يقرر من منهما سيتربع على عرش الوجود، ومن منهما سيصبح مجرد ظل في زوايا النفس.
هل نختار أن نكون ملوكاً متوجين على مملكة أجسادنا وعقولنا، أم نفضل أن نكون ضحايا مذعورين لتقلبات غرائزنا؟ الإجابة تكمن في قدرتنا على إتقان فن التحكم الذاتي.
بقلم الكاتب الصحفي حاتم السعداوي

تسلم ويسلم ذوقك
ردحذف