"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
مرحبًا بكم أيها الأحبّة في أولى حلقات مشكاة النور، حيث نبدأ رحلتنا من قلب الأزهر الشريف… منارة الإسلام الوسطى عبر القرون.
موضوعنا اليوم: لماذا اختار الأزهر الشريف المذهب الأشعري كمذهبٍ ديني؟
أيها الكرام… حين أسس الأزهر الشريف رسالته العلمية قبل أكثر من ألف عام، لم يكن يبحث عن مذهب يقتصر على العقيدة وحدها، بل عن منهج حياة… يجمع بين قوة النص الشرعي ونور العقل، ويضمن وحدة الأمة في مواجهة الخلافات الفكرية.
هنا جاء المذهب الأشعري، الذي أسسه الإمام أبو الحسن الأشعري في القرن الرابع الهجري، بعدما انتقل من مذهب الاعتزال إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فجمع بين العقل والنقل، وأقام منهجًا وسطيًا لا إفراط فيه ولا تفريط.
جوانب المذهب الأشعري متميزة بوضوح:
أنه يثبت العقائد على أساس القرآن والسنة، مع إعمال العقل في فهم النصوص.
أنه يتجنب التكفير والتشدد، ويفتح باب الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة.
أنه يضع القواعد التي تحمي الدين من الانحراف، وتحفظ وحدة المسلمين.
ولأن الأزهر كان ولا يزال بيتًا جامعًا للأمة، وجد في المذهب الأشعري سياجًا يحفظه من الانقسام، ومظلة فكرية تحتضن المذاهب الفقهية الأربعة في رحابه دون صدام.
لقد دافع عن هذا المذهب عبر التاريخ أعلام كبار من علماء الأزهر، منهم:
الإمام الباجوري، شيخ الأزهر في القرن التاسع عشر، الذي ألّف الشروح في العقيدة الأشعرية بأسلوب مبسط.
الإمام محمد عبده، الذي جدد في الخطاب الديني مع تمسكه بجوهر المذهب.
الإمام مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر ومفكر عميق في الفلسفة الإسلامية.
وكذلك من دعاة المذهب الأشعري الذين حملوا رسالته في العالم الإسلامي: الإمام الغزالي، الذي جمع بين الفقه والتصوف والفلسفة، والنووي، صاحب "شرح صحيح مسلم" و"رياض الصالحين"، والسنوسي في بلاد المغرب.
لقد تبنى هؤلاء العلماء المذهب الأشعري ليس فقط لأنه يوفق بين العقل والنقل، بل لأنه يحافظ على ثوابت الدين، ويواجه الأفكار المنحرفة بالحجة والبرهان، لا بالصدام والعنف.
أيها الأحبّة… إن اختيار الأزهر للمذهب الأشعري كان ولا يزال اختيارًا للوسطية، وللوحدة، وللمسار الذي يجعل الإسلام رحمة للعالمين.
في الحلقات القادمة، سنغوص أعمق في تراث الأزهر، ونكشف كيف حافظ على رسالته قرونًا، ليبقى مشكاةً للنور في هذا العالم المليء بالتحديات.
إلى أن نلقاكم… دمتم في رعاية الله ونوره."

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق