> "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
مرحبًا بكم أيها الأحبّة في حلقة جديدة من مشكاة النور.
في الحلقة الماضية تحدّثنا عن أثر الأزهر في نشر المذهب الأشعري، ورأينا كيف جعله حيًا نابضًا في العقول والقلوب.
واليوم ننتقل إلى سؤال أدق: كيف واجه الأزهر بالفكر الأشعري التيارات المتشددة والمتناقضة، من الوهابية، والشيعية المتطرفة، إلى الجماعات التكفيرية المعاصرة؟
١- مواجهة الفكر الوهابي
> أيها الكرام… حين ظهر الفكر الوهابي في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر الهجري، ركّز على ظاهر النصوص، فألغى اجتهادات العلماء، وحكم على كثير من الممارسات التي جرى عليها المسلمون عبر القرون بأنها بدع أو شركيات.
هنا تصدّى الأزهر بالفكر الأشعري… وبيّن أن فهم النصوص لا يكون بالحرف وحده، بل بالنظر إلى مقاصد الشريعة.
فالأذكار وزيارة الأولياء والتوسل، كلها ليست خروجًا عن الدين، بل وسائل محبة وقربة، ما دامت لا تخرج عن التوحيد الخالص.
ومن أمثلة ذلك: كتب علماء الأزهر ردودًا على رسائل ابن عبد الوهاب، وأكدوا أن الإسلام ليس دينًا جامدًا يغلق أبواب الرحمة، وإنما هو دين سعة وتسامح.
٢- مواجهة الفكر الشيعي المتطرف
> ثم واجه الأزهر الفكر الشيعي، خاصة حين غلا بعض أتباعه في تعظيم الأئمة حتى رفعوهم فوق مقام البشر، وربطوا العقيدة بالطقوس التي لم يعرفها صدر الإسلام.
الفكر الأشعري وقف هنا موقفًا متوازنًا: فأكد أن محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أصلٌ من أصول الدين، لكن بلا غلو ولا تأليه.
فلا عصمة إلا للأنبياء، ولا تشريع إلا للوحي.
وقد ألّف علماء الأزهر كتبًا في الرد على هذه المبالغات، وأوضحوا أن توقير آل البيت واجب، لكنه لا يخرج عن إطار الشرع. وهكذا حفظ الأزهر محبة آل البيت، وفي الوقت نفسه صان العقيدة من الانحراف.
٣- مواجهة الفكر التكفيري للجماعات المتطرفة
> وأخطر ما واجهه الأزهر في العصر الحديث هو الفكر التكفيري الذي تبنّته جماعات مثل القاعدة وداعش.
هذا الفكر اعتمد على تكفير المجتمعات واستحلال الدماء، فشوّه صورة الإسلام أمام العالم، وربط الدين بالعنف.
الأزهر ردّ هنا بقوة عبر منهج الأشاعرة: فالأصل في المسلم إسلامه، ولا يجوز إخراجه من الملة إلا بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، وعن علم وإصرار.
ومن أمثلة ذلك: أصدر الأزهر بيانات حاسمة ترد على فكر داعش، وعقد مؤتمرات عالمية لبيان وسطية الإسلام، وأسس مرصدًا لمكافحة الفكر المتطرف يرد على الشبهات بالحجة والبرهان.
٤- الفكر الأشعري كمنهج شامل
> أيها الأحبة… لو تأملنا هذه المواقف، لوجدنا أن قوة الفكر الأشعري تكمن في أنه منهج شامل:
ردّ على الجمود الوهابي بفتح باب العقل مع النص.
ردّ على الغلو الشيعي بإقامة المحبة المنضبطة.
ردّ على التكفيريين بالتأكيد أن الإسلام دين حياة لا موت.
الأزهر لم يواجه هؤلاء بالرصاص، بل واجههم بالعلم، بالحوار، وبترسيخ أن الإسلام وسطٌ بين الغالي والجافي.
> أيها الأحبة… لقد كان الأزهر وما زال حصنًا للأمة بالفكر الأشعري، يواجه الغلو في كل صورة من صوره، ويرد الانحراف أيًّا كان مصدره.
وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سنتحدث عن كيف جعل الأزهر العقيدة الأشعرية قريبة من حياة الناس اليومية، ميسّرة الفهم، صالحة للتطبيق.
دمتم في نور الله ورعايته."

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق