أعلان الهيدر

الأحد، 26 أكتوبر 2025

الرئيسية الصحفي حاتم السعداوى جريمة حرمان الورثة بين الإثم والمساءلة/الاهرام نيوز

الصحفي حاتم السعداوى جريمة حرمان الورثة بين الإثم والمساءلة/الاهرام نيوز

 اللص الخفي: جريمة حرمان الورثة بين الإثم والمساءلة



تُعدّ قضايا الميراث من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في النسيج الاجتماعي والقانوني، إذ تمسّ صميم الحقوق المالية والشخصية. وفي خضم هذه القضايا، يبرز نموذج "اللص الخفي"، وهو الشخص الذي يتسلل لحرمان الآخرين من حقوقهم الثابتة والمقررة شرعاً وقانوناً، محولاً الميراث من مخصص رباني وضمان اجتماعي إلى مصدر للنزاع والقطيعة.

من هو اللص الخفي؟

"اللص الخفي" في سياق الميراث ليس بالضرورة سارقاً تقليدياً يكسر الأقفال، بل هو في الغالب فرد من الأسرة يستخدم سلطته، أو قربه من المورّث، أو حيازته للوثائق، أو حتى التزوير والخداع، للاستئثار بحق غيره من الورثة. هذا الفعل يتخذ أشكالاً عدة:

حجب المعلومات والوثائق: إخفاء صكوك الملكية، أو التلاعب بسجلات التركة، أو الامتناع عن جرد الحسابات والأموال.

التصرف غير المشروع: بيع أو هبة أو التنازل عن ممتلكات التركة قبل القسمة دون موافقة جميع الورثة.

الإكراه والاستغلال: الضغط على الورثة الضعفاء، كالنساء أو القُصّر، للتنازل عن حقوقهم بأبخس الأثمان أو مجاناً.

تأخير القسمة أو المماطلة: إطالة أمد النزاع بقصد إياس الورثة من حقوقهم، مما يضطرهم إلى التنازل.

البعد الشرعي والأخلاقي: إثم عظيم

في الشريعة الإسلامية، وهي المصدر الأساسي لأحكام المواريث في الكثير من الدول العربية، يُنظر إلى سلب حق الوارث على أنه إثم عظيم وجريمة روحية وأخلاقية خطيرة. فالقرآن الكريم فصّل أحكام الميراث بدقة متناهية، واعتبر التعدي على هذه الحدود بمثابة تعدٍ على حدود الله.

يُطلق على آكل حقوق اليتامى والورثة بالباطل وصف "آكل السحت" و "آكل مال الناس بالباطل". وقد ورد في القرآن وعيد شديد لمن يأكل حقوق الورثة، خاصة القصر منهم، حيث ربط أكل أموالهم بـ "أكل النار في بطونهم"، مما يدل على خطورة الفعل وقبحه في ميزان الشرع.

كما أن هذا الفعل لا يقف عند حد السرقة المالية، بل يمتد إلى قطيعة الرحم، وتفكيك الأسرة، وزرع الحقد والضغينة، وهو ما يجعله مفسدة اجتماعية مدمرة.

البعد القانوني: مساءلة جنائية ومدنية

في الأنظمة القانونية الحديثة، يعتبر التعدي على حقوق الورثة جريمة لها عقوباتها الرادعة، وهي تشمل:

المساءلة المدنية: للورثة المتضررين الحق في رفع دعاوى قضائية لاسترداد حقوقهم كاملة، مع المطالبة بتعويض عن الضرر الناتج عن حجب الميراث أو التصرف فيه.

المساءلة الجنائية: قد ترتقي أفعال "اللص الخفي" إلى جرائم جنائية مثل:

النصب والاحتيال: إذا استخدم طرقاً احتيالية لسلب الحقوق.

التزوير: في حال قام بتزوير وثائق أو إقرارات للتنازل.

خيانة الأمانة: إذا كان المسؤول عن إدارة التركة بصفة وصي أو وكيل.

الدعوة إلى تشريعات رادعة وفعالة

نظراً لتفشي هذه الظاهرة وتأثيرها السلبي على العدالة الاجتماعية، فإن هناك توجهاً عالمياً ومحلياً لتعزيز التشريعات التي تجعل عقوبة سلب الميراث أكثر ردعاً وفاعلية. هناك مطالبات دائمة بـ:

تسريع قضايا المواريث: لضمان حصول الورثة على حقوقهم في وقت مناسب ومنع المماطلة.

تشديد العقوبات الجنائية: على كل من يثبت تلاعبه أو استغلاله للورثة الضعفاء، لاسيما الإناث والقصر وكبار السن.

تفعيل دور الأجهزة الرقابية: لمتابعة عمليات نقل الملكية والتصرفات التي تتم في السنوات الأخيرة من حياة المورث، لضمان عدم وجود تواطؤ أو إكراه.

إن "اللص الخفي" لا يسرق مالاً فحسب، بل يسرق الأمانة والعدل والسلام الأسري. إن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب وعياً مجتمعياً بأهمية احترام حق الغير، وتطبيقاً حازماً للقانون، وإدراكاً عميقاً للوعيد الشرعي لمن يأكل الحقوق بغير وجه حق. إن العدالة في توزيع الميراث هي صمام أمان لاستقرار الأسرة والمجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.